تاريخ قناة السويس: محطات مفصلية في شريان الملاحة العالمي

تعد قناة السويس واحدة من أبرز الإنجازات الهندسية في تاريخ البشرية، حيث ربطت بين البحرين الأحمر والمتوسط وساهمت بشكل كبير في تسهيل حركة التجارة العالمية. منذ الفكرة الأولى للفرعون سنوسرت الثالث في العصور الفرعونية، مرورًا بعدة محاولات شق القناة في العصور القديمة، وصولًا إلى إنجاز المشروع العظيم الذي بدأ في منتصف القرن التاسع عشر، شهدت القناة مراحل تطور عديدة حتى أصبحت شريانًا حيويًا للاقتصاد العالمي.

بدايات الفكرة ومحاولات الشق القديمة

تعود فكرة ربط البحرين الأحمر والمتوسط إلى العصور الفرعونية، حيث بدأ الملك سنوسرت الثالث من الأسرة الثانية عشرة في التفكير في قناة تربط بين البحرين عبر النيل وفروعه، بهدف تسهيل التجارة والمواصلات. رغم العديد من المحاولات الفاشلة عبر العصور، فإن الفراعنة مثل نخاو الثاني ودارا الأول قد بذلوا جهودًا لإعادة شق القناة، دون أن ينجحوا في ربطها بالبحر الأحمر بشكل كامل.

في العصر الإسلامي، حاول عمرو بن العاص إعادة تشغيل القناة، لكنها ظلت قيد الإهمال حتى أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بردمها في القرن الثامن الميلادي.

تاريخ قناة السويس الحديثة: من الامتيازات إلى الافتتاح

في عام 1854، منح الخديوي سعيد باشا "فرمان الامتياز" إلى المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس، ليبدأ العمل في إنشاء القناة. ومنذ 25 أبريل 1859، بدأ العمل الفعلي في الحفر باستخدام حوالي 20 ألف عامل مصري في ظروف قاسية. وتكللت جهود الحفر بنجاح في 17 نوفمبر 1869، عندما تم افتتاح القناة بحضور عدد من الشخصيات البارزة.

التأميم وتحديات السيادة المصرية

في عام 1956، وبموجب قرار تاريخي من الرئيس جمال عبد الناصر، تم تأميم قناة السويس، وهو قرار أعاد الحقوق إلى مصر بعد أكثر من قرن من سيطرة الشركات الأجنبية. جاء التأميم في وقت حساس، حيث كان المشروع السد العالي في حاجة إلى التمويل، مما دفع الدول الغربية إلى اتخاذ مواقف معارضة. ورغم محاولات تعطيل الملاحة بعد التأميم، فقد نجح المصريون في استعادة السيطرة على القناة، لتصبح رمزًا للسيادة الوطنية.

إعادة فتح القناة بعد العدوان الثلاثي

في أعقاب العدوان الثلاثي عام 1956، توقفت الملاحة في القناة، لكن تم استئنافها في مارس 1957 بعد جهود مصرية حثيثة لتطهير القناة من السفن الغارقة. وفي عام 1975، أعلن الرئيس أنور السادات إعادة فتح القناة بعد حرب 1967، مما أعاد الحياة إلى هذا الشريان الحيوي.

مشروعات تطوير القناة

شهدت قناة السويس العديد من مشروعات التطوير، بدءًا من "مشروع ناصر" في الخمسينيات والستينيات بهدف زيادة سعة القناة، وصولاً إلى عبور الناقلات العملاقة في فترة السبعينيات. كما استمرت الهيئة في تنفيذ مشروعات لتوسيع القناة وتحسين قدرتها على استقبال السفن الكبيرة.

تعتبر قناة السويس اليوم من أهم طرق الملاحة البحرية في العالم، حيث لا تزال تلعب دورًا محوريًا في حركة التجارة العالمية وارتباط قارات العالم.